على عكس ما هو شائع لم يعد «قلب الرجل في معدته»، بل أصبح «الطريق إلى قلب المرأة يبدأ من المطبخ».. هذا الكلام يبدو منطقيا إلى حد كبير بخاصة بعدما وجد الكثيرون من الرجال في إجادة الطهي، والإلمام بثقافة البهار والبهاريز، حيلة أو وصفة سحرية لاستمالة الجنس الآخر، وجذبه إلى فضاء الرجل بشهية مفتوحة، وعاطفة تستوي على نار هادئة.
في ظل هذه الأجندة الجديدة تؤكد دراسات وأبحاث معنية أن نظرة الجنس الآخر للرجل كزوج وشريك حياة تزحزحت شيئا ما عن الأطر التقليدية الشائعة. فعلاوة على الوسامة والمركز الاجتماعي المرموق، وطيبة القلب والروح، حبذا لو يجيد الطهي، ويتفنن في طرائقه وأشكاله.
ولا بأس أن تتخلى المرأة قليلا، أو على الأقل تتغافل عن بعض الحدود الوهمية لـ« المطبخ» مملكتها الخاصة، أو ترتضي برشاقة الهزيمة، حين يمارس الزوج نزقه المطبخي، ويتفوق ـ أحيانا ـ في صنع أكلات وإعداد أطباق بعينها، تثير غيرتها، وربما حسدها.
لكن هل إجادة الرجل لفن الطهي، هي فعلا وسيلة لاجتذاب الجنس الآخر، واستثارة دهشته، أم أن وراءها مع ذلك، ضرورة يفرضها إيقاع العصر اللاهث حولنا في كل الاتجاهات؟.
في رأي أحمد الدسوقي، أحد خبراء التغذية، أن تعقيدات الحياة، وإيقاعها الضاغط بشكل مستمر، فرض على أجيال جديدة من الرجال والشباب إجادة فنون الطهي، كمقوم حياتي لا غنى عنه، وأصبح اكتساب مهارات خاصة في إعداد الطعام من علامات التميز ليس فقط لإثارة الإعجاب والتباهي أمام الأهل والأصدقاء، إنما أيضا كوسيلة جذب للمرأة التي ربما قد تكون شريكة في الحياة وبناء المستقبل.
كما أن إجادة فن الطهي يرضي نزعة غريزية لدى الكثير من الرجال، وحب الامتلاء بالذات، فليس أمتع من أن تصنع الأشياء بنفسك، فما بالك بالطعام الذي تأكله.
وبنبرة تعطيك انطباعا أنه خارج للتو من المطبخ يقول عمر إبراهيم، محاسب بأحد البنوك: «في البداية كنت أمل عملية الطبخ، وأحس بأنه عبء وواجب منزلي ثقيل، لكن بعد أن فرضت عليّ الظروف أن أعيش بمفردي تعلمته، ومع التكرار، والفشل والصواب، أصبحت ماهرا في صنع أكلات بعينها، ينبهر بها أصدقائي.
وبالطبع يستمتعون بالتهامها بين الحين والآخر. الجميل في الأمر أنني حين تقدمت لخطبة فتاتي كانت سعادتها لا توصف بمهارتي في الطبخ وإعداد الطعام، وهي تعتبرني رجلا مميزا، سيختصر عليها مساحات من الملل والحيرة اليومية في إعداد الطعام». لكن إبراهيم مع ذلك يصر على أن مهارته المطبخية مجرد هواية، ويرفض أن تصبح واجبا يوميا بعد الزواج قائلا: «الزواج مشاركة وعلى الطرفين أن يتفهما ذلك في كل تفاصيل الحياة الصغيرة والكبيرة.. فكما أعد الطعام لزوجتي واسعد بذلك، هي أيضا يجب أن تبادلني الدور بمحبة خالصة».
يعزز الكلام السابق بحث أجرته أخيرا شركة الأغذية «بور آجي»، حول مهارة الرجال في الطهي وكيف أضحت عنصر جذب للنساء.
البحث الذي حمل عنوان «ظهور الجنس المرتبط بالمعدة» استشهد بشعبية بعض نجوم الطهاة مثل: غوردون رامسي وجايمي أوليفر. وأفاد أن 48 في المائة ممن استطلعت آراؤهم يرون أن المرء يكون أكثر جاذبية إذا كان يستطيع ممارسة الطهي، وقال 23 في المائة من رجال استطلعت آراؤهم، وتتراوح أعمارهم ما بين 18 ـ 34 عاما، إنهم يمارسون الطهي حتى يتمكنوا من استمالة النساء. وأظهر البحث أن 60 في المائة من الرجال البريطانيين يقومون بإعداد بعض الوجبات لأصدقائهم وأسرهم، وأنهم يفضلون الأطباق الأجنبية التي تتسم بالتعقيد على الوجبات البريطانية التقليدية.
ومن النقط المثيرة التي يشير إليها بحث «بور آجي»، أن الرجال الذي يحاولون استمالة النساء باستخدام الطهي هم في المرحلة العمرية من 25 ـ 44 عاما في المتوسط.
اللافت في البحث أيضا إشارته إلى أن اهتمام الرجال بالعمل في المطبخ لا يعني أنهم غير مهتمين بالأعمال المنزلية الأخرى التي تختص بها المرأة في المقام الأول، مثل تنظيف المنزل وغسل الملابس وشراء الحاجيات من محلات البقالة. وقال متحدث باسم شركة «بور آجي»: «يستعمل النساء أو الرجال على السواء الطبخ والأكل لاستمالة الجنس الآخر، لكن المحدد الأساسي هو اشتهاء الطعام. لقد وجدنا أن الطعام بالنسبة لهذا الجيل الجديد ليس مجرد عملية للتزود بالطعام، فبالنسبة لهم يعد تجربة ممتعة، فهم يطهون طلبا للمتعة والثناء ولاستمالة (الطرف الآخر)».
ومن وجهة نظر مختار غريب، كبير الطهاة بأحد فنادق القاهرة، فإن «قدرة الرجل على الابتكار والتفنن في إعداد وجبات الطعام تفوق المرأة، لكن ثقافتنا التقليدية لا تساعد في أن يلعب هذا الدور بخاصة في البيت، وفي ظل منافسة قوية من المرأة، تصل أحيانا إلى الشعور بالغيرة والنرجسية، بل الحط من شأن الرجل في التعاطي مع فنون المطبخ». ويدلل مختار على ذلك بغالبية الطهاة الرجال بخاصة في الفنادق والمطاعم الكبرى، وأنها مهنة تكاد تصبح حكرا عليهم.
ويلفت مختار إلى أن «قدرة الرجل على إجادة فنون الطهي تجعله في حالة تناغم واتساق مع ذاته، كما يبدو أكثر تفهما لإيقاع الحياة، وأكثر قدرة على التمتع بها، ناهيك عن أن عملية الطهي نفسها تشكل نوعا من الحماية الاقتصادية والصحية من أمراض كثيرة تلوث حياتنا، ويكون الطعام أحد أسبابها الرئيسية».
وحول مدى ما يشكله الرجل الطاهي من جاذبية للعنصر الآخر، يرى كبير الطهاة أن العملية نسبية، تتفاوت فيها الرؤى والأفكار، لكنها في كل الحالات تضيف لرصيد الرجل لدى الطرف الآخر، بخاصة أن الكثير من النساء العصريات ينفرن من المطبخ، ويعتبرنه عبئا ثقيلا، بعد أعباء العمل والوظيفة التي أحيانا تمتد لساعات طويلة على مدار اليوم.
لكن منى يوسف، مهندسة بإحدى الشركات الخاصة، تزوجت مذ ثلاث سنوات، كان لها رأي آخر عبرت عنه بقولها إن «تعلم الطهي لا يرتبط بمرحلة عمرية محددة، فمن الممكن وبقليل من الرقابة أن نعلم أطفالنا في سن الرابعة مثلا إعداد وجبات خفيفة وسريعة مثل السندويتشات أو سلق بيضة أو عمل السلطة الخضراء وغيرها ليتعود الطفل من ناحية على حب الطعام، والاعتماد على الذات من ناحية أخرى، والتعود أيضا على بعض مفردات المطبخ التي تثير الخوف كالسكين مثلا». والأمر هنا لا يقتصر على الإناث، بل الذكور أيضا، حتى لا يشعروا بالحرج من الأمر في الكبر أو يكبر في بالهم أن الطبخ من اختصاص المرأة فقط وبأن فيه انتقاصا لرجولتهم.
ومن خلال تجربتها تقول منى «لم أشترط في زوجي معرفة الطهي، لقد اكتشفت ذلك بالصدفة البحتة ذات يوم عندما مرضت، لقد اكتشفت انه طاه ممتاز، وأنه يتفنن في ذلك بمحبة خاصة ومزاج. فهو يحرص على تقديم الطبق بمسحة فنية سواء في الشكل أو المضمون. وحين سألته عن سبب التنكر، برر لي الأمر بأن الفرصة لم تتح له من قبل، وأنني أتحمل بعض المسؤولية لأني لم أسمح له بذلك من قبل». وترى منى أن إجادة الزوج لفنون الطهي لا تساعد فقط على استيعاب وتفهم الحياة، بل هي إحدى علامات البيت السعيد.
وعلى عكس منى وزوجها المحب للطهي تعترف «ثناء. ن»، الموظفة بإحدى شركات السياحة، أنها لا تألف فكرة أن تتحول المرأة إلى طاهية، تنفق الساعات في إعداد الطعام، تقول ثناء: «بصراحة أنا أكره الطبخ، لكن أحب الأكل.. أمي حاولت كثيرا أن تعلمني أصوله، لكنني في كل مرة كنت أفشل».
لهذا لا تخفي ثناء ولعها بالرجل الذي يجيد فنون الطهي وتقول: «يا ريت ربنا يوقعني في رجل يهتم جيدا بشؤون المعدة وبيطبخ كويس حتى يريحني من هذا العبء العبثي».
ورغم جاذبية الرجل العاشق للمطبخ ولصنع الطعام للجنس الآخر، إلا أن الطهي وفنونه التي تتسع أشكالها وأطباقها كل يوم، سيظل يؤرجح الاثنين معا على سلم الهواية والاحتراف، وربما يجعلهما في لحظات كثيرة يفكران في البحث عن مائدة أخرى بعيدا عن طاولة البيت.