غياب الشباب المصري عن المشاركة السياسية.. لماذا؟!
الشباب المصري ومعاناة مستمرة
60% من تعداد سكان مصر من الشباب، وعندما يتساءل أحد عن مكان أو وجود هذه النسبة الكبيرة من الشعب المصري لا يعرف أحد!!
أكثر من نصف المجتمع المصري ونحو ثلاثة أرباع قوته الفاعلة معطلةٌ ولا دورَ لها، حتى وصل بها الحال- وبالتالي بالوطن وبنا جميعًا- إلى حالة الأزمة الحضارية التي نعاني منها في الوقت الراهن، في وقتٍ نحن أحوجُ ما نكون فيه- في الوطن الأصغر مصريًّا والأمة الكبرى عربيًّا وإسلاميًّا- إلى كل فرد ومجهوده في أي مجال إبداعي أو إنتاجي نافع يرتقي بنا درجةً إلى آفاق أخرى، لعلنا نستطيع أن نلحق بالعالم المتقدم ولو بخطوة.
وتعتبر مشكلة غياب- أو تغييب- الشباب المصري ودوره عن العمل السياسي والوطني العام من أبرز مشكلات المجتمع المصري في الوقت الراهن، مع اتصالها أولاً بعددٍ آخر من المشكلات التي تعتبر بمثابة مقدمات لهذه القضية، وثانيًا بنتائج تعتبر مشكلات في حد ذاتها خُلقت وأصبحت تهدد الأمن القومي المصري دون أدنى مبالغة في التعبير.
ومن هنا بات علينا أن نحاول القيام بدراسة أسباب هذه القضية، والعوامل التي قادت الشباب المصري إلى الوصول لهذا المستوى من التردي على مختلف المستويات، بدءًا من التأهيل الدراسي، ووصولاً إلى الرأي السياسي والموقف من قضايا الوطن العامة، في محاولةٍ لاستدراك وضعٍ متفاقم بالفعل قبل أن يتحول إلى كارثة أمنية وسياسية.
مؤشرات عامة للمشكلة
قبل كل شيء فإنَّ الجميع- بما فيهم الدولة- يعترفون بوجود مشكلة أو خلل فيما يتعلق بأوضاع الشباب المصري ودوره، وإن كانت قضية المسئولية والحل هي الغائبة عن تفكير الدولة ودورها في هذا الصدد، مع كونها تتحمل الجانب الأكبر في هذا الشأن بالنظر إلى المشكلة المخصصة في موضوعنا، وهي عزوف الشباب المصري عن الحياة السياسية والمشاركة في العمل الوطني العام.
أنس الفقي وزير الشباب المصري
بدايةً وخلال إحدى جلسات الدورة المنصرمة من أعمال مجلس الشعب المصري ناقش وزير الشباب- أنس الفقي- تقريرًا برلمانيًّا مهمًّا عن قطاع الشباب والرياضة، كان أبرز ما ذكره الوزير في مداخلته أمام نواب الشعب مجموعة حقائق موضوعية مدعومة بالإحصائيات عن قضية الشباب المصري والعمل السياسي؛ حيث أكد التقرير أنَّ 8% فقط من شباب مصر يشاركون في الانتخابات البرلمانية والعمل السياسي العام بما في ذلك النشاط الحزبي، فيما هناك 92% منهم لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع ويعزفون تمامًا عن المشاركة في الحياة السياسية..!!
ورغم أن الوزير في هذه الجلسة قد حاول إيضاح موقف الوزارة في هذا الشأن، قائلاً: إنَّ وزارة الشباب تتبنى خطةً عاجلةً لتوظيف مراكز الشباب في مصر؛ من أجل نشر الوعي السياسي، وتعزيز المشاركة السياسية للشباب المصري؛ حيث كان يجري حظر العمل الحزبي في هذه المراكز؛ باعتبارها ذات طابع قومي وليست مكانًا للعمل الحزبي، إلا أنَّ الدكتور فتحي سرور- رئيس مجلس الشعب- رفض ذلك، وأكد أهمية بل وضرورة الفصل بين أن تكون مراكز الشباب مؤسساتٍ للوعي الثقافي والسياسي وبين أن تتحول لمكانٍ للعمل السياسي تحت مبرر منع الترويج لأي حزب سياسي فيها؛ باعتبار أنَّ هناك فارقًا بين العمل الحزبي والعمل السياسي القومي، وبالطبع لم يعترض سرور على أن تتحول هذه المراكز إلى "فروع ومنتديات للحزب الوطني الحاكم فقط دون بقية أحزاب المعارضة"، وذلك وفق نواب من المجلس اعترضوا على رأي رئيس مجلس الشعب ورأوا في ذلك مشكلةً مهمةً ينبغي البحث عن علاجٍ لها.
وتعتبر هذه المشكلة- مشكلة غياب الشباب المصري عن العمل السياسي والحياة السياسية بوجهٍ عامٍ، التي طَرحت الحكومة نفسها (ممثلةً في وزارة الشباب) بعضَ مؤشراتها وأسبابها- غيرَ قاصرةٍ في اعتباراتها على الشباب في المجتمع المصري بل تمتد إلى شرائح أخرى من بين المواطنين في مصر، فعلى سبيل المثال أثبتت ندوةٌ نظمها نادي شباب المستقبل- بالتعاون مع مركز دعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري ومؤسسة "فريدريش ناومان" الألمانية في أغسطس من العام 2003م- أنَّ 75% من المصريين عمومًا لا يشاركون في العمل السياسي على أي وجه من وجوه المشاركة المباشرة أو غير المباشرة.
الأحزاب المصرية مهددة بالاختفاء
بعيدًا عمَّا طرحته الإحصائيات الرسمية في هذا الشأن مع وجود بعض الآراء التي تنتقص من نسبة الـ8% التي أعلنها وزير الشباب أنس الفقي إلى 5% فقط فإنَّ القوى السياسية في مصر طرحت عددًا من الآراء، مفادها أولاً: وجود مشكلة خطيرة تتهدد الحياة السياسية المصرية، مع غياب الشباب، وارتفاع سن القيادات القديمة وعدم تعويضها أو تجديد دمائها، وثانيًا: أنَّ الدولة والأحزاب السياسية في مصر هي المسئول الأول عن هذه المشكلة.
وخلال الانتخابات التشريعية التي جرت في مصر عام 2000م فإنَّ هذه المشكلة كانت بمثابة عقبة كئود أمام القوى والأحزاب السياسية المصرية في تلك الانتخابات، وكان أكثر من شكَا من هذه القضية في ذلك الحين هو عبد الغفار شكر- أحد قيادات حزب التجمع- والذي قال إن هناك تراجعًا في دور الشباب بعكس ما تبثُّه دعايات الحزب الحاكم والتي اعتمدت بالأساس على تعيين مجموعة من صغار السن نسبيًّا مقارنةً بشيوخ السلطة في مصر في حكومة الدكتور أحمد نظيف الحالية.
وفي هذا الإطار فإنَّ مشكلة تغييب الشباب المصري عن هذه المسألة من الظواهر الملفتة للنظر وخلقت بالفعل مشكلةً خنقت معظم الأحزاب السياسية في مصر، والمؤشرات في هذا الشأن واضحة، فغالبية هذه الأحزاب كما يقول بعض المحللين بدأت نشاطَها بعد التأسيس بعضوية كبيرة نسبيًّا، ثم بدأت هذه العضوية في التراجع لأسباب متعددة، منها الضغوط الأمنية والقيود المفروضة على النشاط الجماهيري، والأهم "غياب التنظيم القاعدي الذي يؤدي إلى عدم انتظام صلة الأعضاء بالحزب"، مع عزوف الشباب المصري عن الاندماج في الحياة السياسية المصرية، وبالتالي عدم تجديد دماء وشباب الأحزاب والمؤسسات السياسية المصرية.
ومن أهم النماذج في هذا الشأن هو حزب التجمع التقدمي الوحدوي ذاته الذي وصلت عضويته إلى أكثر من 150 ألف عضو في ديسمبر 1976م، أي بعد أقل من ثمانية شهور من تأسيسه، وقد بلغ عدد الأعضاء المشاركين في انتخابات المؤتمر الرابع المنعقد في يوليو 1998م حوالي 13 ألف عضو، أي أقل من عُشر العضوية في 1976م، بما يوضح مثالاً لتراجع العضوية- خاصةً من الشباب- في الأحزاب السياسية المصرية.
وفي هذا الإطار فإن هذه المسألة تزداد أهميتُها مع بدء خروج قيادات الأحزاب السياسية المصرية من العمل السياسي، مع عدم وجود قيادات بديلة من الصف الثاني بفعل المشكلة التي نناقشها؛ مما يهدد الأحزاب السياسية المصرية بالاختفاء تقريبًا.
ومن خلال أرقام الانتخابات الماضية فإن "التجمع"- الذي هو من أكبر الأحزاب السياسية المصرية- لم يرشح من شباب الحزب سوى 47 فقط في الدوائر التي نزل فيها في مختلف المحافظات المصرية، ونفس الشيء يقال على الأحزاب الأخرى.. الوفد والناصري وغيرهما، وكذلك على الأحزاب السياسية الأخرى في مصر.
مشكلة صنعتها أوضاع قائمة
عند الحديث عن أسباب هذه المشكلة يمكننا أن نجملَها في مجموعةٍ من العناوين العامة التي يعبر كل منها عن مشكلة كبيرة في حد ذاتها على النحو التالي:
- سيطرة الحزب الحاكم على منافذ العمل الإعلامي والسياسي، وشمولية السلطة الحاكمة التي جعلت أو خلقت قناعةً لدى الشباب المصري بعدم نزاهة العملية السياسية والانتخابية وبالتالي عدم جدوى المشاركة فيها.
- غياب المراكز الشبابية وعدم لعبها دورًا من أهم الأدوار المنوطة بها- وهو التثقيف السياسي والتنشئة الاجتماعية والسياسية- مع احتكار الحزب الوطني الحاكم لها ولأي نشاط سياسي فيها.
- تقييد القوانين المعمول بها في الجامعات المصرية لأي نشاط سياسي في الجامعات، ومن بينها القانون الصادر عام 1979م الذي يحظر القيام بأي نشاط حزبي أو سياسي داخل مؤسسات التعليم العالي في مصر؛ مما فرَّغ الجامعات من دورها في مجال التثقيف السياسي والتنشئة السياسية والاجتماعية، كما هو الحال في مراكز الشباب في مصر.
- الاعتقالات المتكررة والمضايقات المتواصلة التي تمارسها أجهزة الدولة في مواجهة المعارضة، والتي تطال بالأساس شباب التنظيمات والأحزاب المعارضة؛ باعتبارهم "الخطر الأكبر" الذي يواجه الحكم مع كونهم الأقدر على الفعل والحركة والحشد، ويقدَّر عدد المعتقلين في مصر الآن نحو 20 ألفًا، وتُعد جماعة الإخوان المسلمين الأكثر معاناةً في هذا الشأن.
مظاهرات الشباب المصري ضد البطالة
- مشكلة البطالة التي فصلت أولاً بين الشباب المصري وانتمائه، وثانيًا أدت إلى انشغاليته بقضية البحث عن عمل أو "لقمة العيش"؛ مما جعل الاهتمامات السياسية تتراجع إلى مرتبة متأخرة لدى الشاب المصري لحساب أولويات المهنة والزواج وغير ذلك، وتُقدَّر نسبة الشباب المصري العاطل الآن بنحو 10.5% من إجمالي نسبة القادرين على العمل في مصر، طبقًا لإحصائيات البنك الدولي لعام 2005م، أي هناك نحو أكثر من ثلاثة ملايين عاطل في مصر، مع كون تعداد القوى القادرة على العمل في مصر يصل حاليًا إلى رقم يتراوح ما بين 27 مليون إلى 30 مليون مواطن، إلا أن جهاتٍ اقتصادية أخرى تقدر عدد العاطلين بنحو 4.5 ملايين عاطل، وتقدرهم جهات أخرى بـ6 ملايين، ومن بينهم نحو 150 ألف عاطل بدرجة دكتوراه، وبالطبع فإن المشكلة مرشحةٌ أكثرَ للتزايد؛ إذ إن طالبي العمل يتزايدون سنويًّا.. فالجامعات المصرية تطرح نحو 160 ألف خريج سنويًّا يضافون إلى خريجي الشهادات فوق المتوسطة، وهؤلاء نحو 600 ألف، بجانب 350 ألفًا يتسربون من التعليم ويتوقع دخولهم إلى سوق العمل سنويًّا.
- كذلك أدى ضعف الحياة السياسية في مصر خلال عقود طويلة من الممارسة الشمولية والاستبداد السياسي إلى ترهُّل الأحزاب كقناة رئيسة للعمل السياسي في مصر، وإلى ابتعاد الشباب عنها وبالمثل منافذ العمل السياسي الأخرى، كالنقابات المهنية التي نشطت إلى حد كبير بعد دخول الإخوان المسلمين فيها.
- السياسات الإعلامية للدولة وهيمنة السلطة والحكم عليها، وكذلك الممارسة السياسية غير الرشيدة أدت إلى تكريس قيم السلبية وتغييب الشباب المصري عن قضايا وطنه وأمته وعن السياسة بوجه عام وتوجيه اهتماماته إلى موضوعات أخرى، مثل الرياضة والفن والترفيه؛ إلهاءً له عن متابعة مشكلات البلاد وقضية الحكم والاستبداد السياسي والتغيير والإصلاح ومتطلباته.
- الأزمة الاجتماعية في مصر غَيَّبت كثيرًا من دور الأسرة الرائد في عملية التنشئة السياسية والاجتماعية في مصر.
إن الكثير من الظواهر التي أمامنا دفعت بالشباب المصري إلى الإدمان والتطرف والهجرة إلى خارج الوطن والانسحاب من الحياة السياسية وكذلك الانحراف، مع الاهتمام بالهجرة، وازدياد الإعجاب بأي "أجنبي"، إلى حد التعاطي معه ومع مفرداته وأدواته الإعلامية..!! فمن خلال الإحصائيات التي أوردها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في هذا الصدد فإن ما نسبته 8% من الشباب المصري يتابعون القنوات الفضائية الصهيونية، أما وزارتا الهجرة والداخلية فقالت إحصائياتُهما إن هناك نحو ما بين 14 إلى 18 ألف حالة زواج لشباب مصري من حاملات للجنسية الصهيونية، بل وتورَّط الكثير منهم في قضايا تجسس لحساب أجهزة الكيان الصهيوني، بخلاف معدلات الهجرة المشروعة وغير المشروعة إلى كلٍّ من الكيان الصهيوني وأوروبا والولايات المتحدة بالأخص.
إن أخطر ما أفرزته هذه الظواهر من نتائج هي فقدان الانتماء وتغييب الاهتمام؛ بحيث بات أهم ما يشغل الشاب المصري الآن "التسكع" في الطرقات، والجلوس في المقاهي، ومتابعة أخبار الفنانين، ونتائج مباريات كرة القدم.. أما قضايا الوطن والأمة فلا يعلمها أحد!!