اعتاد اليهود على الذهاب إلى مصر في نهاية ديسمبر من كل عام وتحديدا إلى قرية مصرية صغيرة اسمها (دميتوه) بدمنهور، في محافظة البحيرة لزيارة ضريح لرجل يهودي مات منذ أكثر من 100 عام ودفنه من كانوا معه في تلك المنطقة ، والاسم الذي انتشر لذلك اليهودي هو أبو حصيرة
وتحكي الروايات أن أبا حصيرة هو يعقوب بن مسعود وهو يهودي مغربي ولد في سنة 1807 وسافر من المغرب إلى فلسطين لغاية الحج (إلى الأماكن التي يدعي اليهود أنها مقدسة لديهم) ، وجاءت بعد ذلك الأساطير حول تلك الشخصية ، وبدأ اليهود ينسجون القصص عنها ، وقيل إن سفينته غرقت قبل أن تصل إلى الأراضي الفلسطينية ، وغرق من معه إلا أنه ـ طبقا للأساطير اليهودية ـ بسط حصيرته على سطح الماء وسبح حتى وصل إلى سوريا ومنها إلى فلسطين حيث أدى الحج
وبعد أن انتهى من أداء طقوسه قرر العودة إلى المغرب سيرا على الأقدام وبينما هو في الطريق مع ثلاثة من أتباعه ، وكانوا قد وصلوا إلى قرية دميتوه المصرية مات ، وقالوا إنه أوصى وهو يموت بأن يدفن في مصر وكذلك أتباعه ، فدفن في الضريح الذي نسب له هناك ، كما دفن أتباعه إلى جواره ، ومنذ ذلك اليوم واليهود يتعللون به كـمسمار جحا ويواظبون على زيارته في ضريحه بمصر خاصة بعد أن أخذت العلاقة بين مصر وإسرائيل شكلها الحالي ، واستغل اليهود المتطرفون وجود الضريح في مصر حتى أمسى سببا سياسيا أكثر منه دينيا لزيارة مصر وجعلوه حجة كي يتوغلوا ما شاء لهم في أرض مصر بهدف زيارة أبي حصيرة اليهودي
وفي ليلة مولد أبي حصيرة حول ضريحه الذي يرتفع عن سطح الأرض عشرة أمتار وتحيطه أرض فضاء مساحتها فدان ونصف لا يصبح الأمر مجرد زيارة دينية ، وإنما ليلة ماجنة صاخبة حمراء تراق فيها كميات ضخمة من الخمر والحشيش وتدق الأرض بالعصي ويبدأ الحفل الماجن بمزاد على مفتاح الضريح ، ومن يدفع أكثر يرسو عليه المفتاح، وبعدها يبدأ الصخب والرقص والسكر ، وما هو بعد أبعد من السكر ، ثم يحتفلون بذكرى القديسة أستر وهي زوجة أحد ملوك الفرس التي يعتقدون أنها أنقذتهم من الإبادة عندما كان هامان يريد أن يفعل ذلك فحذرتهم ، وعندما يأتي ذكر اسمها يتزايد دقهم للأرض اعتقادا أنهم يدقون رأس هامان
وفي محاولة من اليهود لفت نظر العالم إلى قضية الضريح، كانت السلطات الصهيونية تحاول تحويل المسألة إلى قضية سياسية وحق تطالب به، وجرت ثلاث محاولات لنقل رفات اليهودي أبي حصيرة من التابوت الرخامي الذي يعتقدون أنه دفن فيه وكتب عليه من الخارج باللغة الآرامية: هنا يرقد رجل صالح جاء من المغرب ودفن هنا. إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل نتيجة لبعض ظروف الطبيعة أثناء محاولة نقل رفاته، وهو ما فسره اليهود بنفس الطريقة الأسطورية التي نسجوها حول الرجل نفسه من أنه يرفض أن يغادر مصر. وطالما أن الرجل الذي مات منذ 120 سنة ما زال يرفض أن ينتقل إلى فلسطين المحتلة، فالواجب يفرض على السلطات الإسرائيلية أن تأتي إليه لتزوره ، وبالتالي سيبقى في مكانه لكي يأتي اليهود كلما سنحت لهم الفرصة ويمارسوا طقوسهم حوله
ولكن بعد ذلك، لم يعد بإمكان اليهود أن يأتوا لزيارته بعد أن تدخلت حكومة مصر في القضية نزولا عند رغبة أهالي دميتوه وكافة المصريين وحسمت الجدل وقضت بعدم الاحتفال في ذلك المكان ، حيث أخذت مشكلة ضريح أبي حصيرة اليهودي أبعادا كبيرة في مصر ، وبدءا من العام 2001 كان للموضوع أصداء كثيرة ، الأمر الذي أدى إلى امتناع وزارة الخارجية المصرية عبر سفارتها في تل أبيب عن منح تأشيرات دخول لنحو مائة من الاسرائيليين كان من المنتظر أن يشاركوا في مولد أبي حصيرة ، مبررة ذلك لأسباب أمنية تتعلق بمخاوف تعرض الاسرائيليين لمخاطر بسبب غضب المصريين من ممارساتهم بحق الفلسطينيين ، ومن ثم فقد ألغي المولد برمته
ورغم قرار من لجنة الشئون الدينية بالمجلس الشعبى المحلى لمدينة دمنهور عام2000 بإلغاء الإحتفالات اليهودية لمولد ما يسمى أبو حصيرة ، وحكم المحكمة الإدارية فى الاسكندرية ( دائرة البحيرة ) عام 2001 بوقف هذه الإحتفالات التى يحيطها كثير من الموبقات التى لا تتفق مع عادات وتقاليد أهل القرية الكائنة بجوار هذا القبر ، واعتبار قرار وزير الثقافة بجعل هذا المكان اثرا إسلاميا كأن لم يكن
وقد أوضحت المحكمة إن مما سبق يتضح أن اليهود خلال إقامتهم في مصر لم يشكلوا حضارة بل كانوا قوما متنقلين يعيشون في الخيام ويرعون الأغنام ولم يتركوا ثمة أثرا يذكر في العصر الفرعوني وبالتالي فإن القرار الذي أصدره وزير الثقافة باعتبار ضريح الحاخام اليهودي أبو حصيرة بقرية دميتو بمدينة دمنهور والمقابر اليهودية التي حوله ضمن الآثار الإسلامية والقبطية رغم أنه مجرد قبر لفرد عادي لا يمثل أي قيمة حضارية أو ثقافية أو دينية للشعب المصري حتى يمكن اعتباره جزءاً من تراث هذا الشعب وهو الأمر الذي يكون معه قرار وزير الثقافة باعتبار الضريح والمقابر اليهودية ضمن الآثار الإسلامية والقبطية مخالفا للقانون لانطوائه علي مغالطة تاريخية تمس كيان الشعب المصري الذي هو ملك لأجيال الأمة وليس للأشخاص كما ينطوي علي إهدار فادح للمشرع المصري الذي لم يعترف بأي تأثير يذكر لليهود أثناء إقامتهم القصيرة بمصر، هنا نسيت المحكمة المطالبة بحق استعادة المسروقات التي أخذها اليهود مع خروجهم من مصر، وهي أمر تثبته جميع النصوص القديمة بما فيها التوراة، التي يرجع الصهاينة لها، للافتراء على الشعوب بادعاء وجود حقوق تاريخية
إلا إنه ورغم ذلك كله تم اهدار القانون ، فقد زار وفد سياحى من اليهود المغاربة فى أوائل شهر يناير قبر أبو حصيرة وسط حراسة أمنية مشددة وذهول الناس الغضبة من هذا التصرف غير المسئول ، كما احتفل أمس اكثر من ألف يهودي بمولد ابوحصيرة بحضور القنصل العام الاسرائيلي ومجموعة من حاخامات اليهود ، وقد فرضت قوات الامن حصارا شديدا حول مكان الاحتفال، والقبر. وتم فرض حظر تجوال علي أهالي القرية. انتشر اليهود في طرقات القرية وحول القبر وارتدي معظمهم القلنصوة اليهودية، وقد جاء اليهود الذين حضروا الاحتفال من اسرائيل رأسا الي مطاري القاهرة والاسكندرية ، بعد ان كان معظمهم يأتي في الماضي من اوروبا
وفي الواقع فالعدد الذي شارك في هذا المولد يعتبر الأكبر منذ عشر سنوات ، وفيه تمت اضاءة الشموع وشواء اللحوم، وانتشرت روائح الخمور وأصوات الطقوس الماجنة الصادرة من الموسيقي الصاخبة من قبر أبوحصيرة ، بينما قام عدد كبير من المحتفلين بالرقص بين المقابر المحيطة بأبوحصيرة. كل ذلك في حين قامت الجهات الأمنية بتوفير طريق فرعي خلف مقبرة أبوحصيرة بقرية ديمتيوه لعبور الأوتوبيسات السياحية بعيداً عن الطريق الرئيسي الذي يمر وسط منازل أهالي القرية الذين أصابتهم حالة من الاستياء والغضب
وقد قامت قوات الأمن أيضا بتطويق منطقة الاحتفال لمنع الاحتكاك مع الأهالي ، واستنكرت القوي السياسية والشعبية بمحافظة البحيرة السماح باقامة الاحتفال ووصفوه بأنه خرق لأحكام القضاء المصري، وطلبوا من الحكومة الالتزام بتنفيذ أحكام القضاء ، وعدم الاحتفال بمولد أبوحصيرة ، والتفكير في نقل رفاته إلي اسرائيل لمنع اليهود من الاحتفال في البحيرة بهذه المناسبة مرة أخري
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن
هل عودة زيارة اليهود لمولد أبو حصيرة المزعوم يأتى ضمن توابع توقيع الكويز والافراج عن الجاسوس عزام ؟ أم أننا فرحون بهذا المولد الذي يكرس النظرية التي يروج لها البعض بأن مصر أم الأديان السماوية ، ومن ثم كان من الواجب أن نبحث عن عيد ديني يهودي كما هو مثل أعياد المسلمين والمسيحيين ، أم أن الموضوع لا يعنيينا برمته وكأن شيئا لا يحدث بحيث يستمر أبو حصيرة هذا هو مسمار جحا الاسرائيلي في مصر بينما يغط المصريين ومسئوليهم في نوم عميق تحت بطانية سيدي أبو بطانية هذا ، أو عفوا ، سيدي أبو حصيرة أبو الكرامات والمعجزات