(ثانيًا) مظاهر التدهور والارتداد:
(1) الجهاز العصبي: وجد إحصائيٌّا أن الجسم البشري يحتوي على حوالي 60 ترليون (مليون مليون)، خلية وأن
حوالي 80% منها يتجدد ويستبدل في حوالي ثلاثة أشهر، وتختلف الخلايا كثيرًا في قدرة التجدد Renewal Capacity, ففي جانب لا يحدث تجدد في الخلايا العصبية، وفي الجانب الآخر يكون على أشده في نخاع العظام
الباني لخلايا الدم، وفي الطبقة السطحية للجلد، وكذلك في الطبقة الداخلية المبطنة للأمعاء، وإذا أصيبت خلية عصبية
وماتت لا تعوض؛ ولذا يقل عدد خلايا المخ بالتدريج، وتقل الليفات العصبية كلما تقدم العمر، فمثلاً تقل ليفات العصب
البصري حوالي 25% في سن التسعين مقارنة بعددها عند الولادة، ونتيجة لتحلل الليفات العصبية قد تتراكم مادة بين
الخلايا العصبية خاصة في منطقة الناصية تسمى لطع الشيخوخة Senile Plaques, وبعد الأربعين تتآكل بعض
خلايا المخ، ويتناقص حجمه، وتتوسع التجاويف بداخله، وفي الستينيات والسبعينيات يزداد ضمورًا، وكلما تقدم العمر يقل
عدد المستقبلات المختصة بالانتفاع بالسكر، وتكثر الشكوى من الاضطراب في النوم والتغير في المزاج Mood
وتضعف الذاكرة قصيرة الأمد، ويصعب اكتساب معرفة في مجال مهني جديد، وتتأخر الاستجابة للمؤثرات، وقد يستطيع
المخ الحفاظ على التوازن ـ في الظروف غير المرضية ـ لأن الاحتياطي المدخر من الخلايا كبير، ولكنه قد يفقد توازنه
خاصة مع نقص كمية الأكسجين الواردة نتيجة لتصلب الشرايين. وفي الشيخوخة تكثر الإصابة بالأمراض خاصة خرف
الشيخوخة Senile dementia المصاحب لمرض الذهان Alzheimer, وهو مرض مجهول السبب تتآكل فيه
خلايا المخ ويزداد ضموره وتتأثر الذاكرة كثيرًا ويفقد المريض الكفاءة المهنية والمهارات اللغوية والحكم الصحيح، ويذهل
عن المكان والزمان وتتغير شخصيته، بالإضافة إلى إصابته بالخرف والاكتئاب أو الهيجان والهوس وتسلط الوساوس
والمخاوف، وتظهر الأعراض بالتدريج، وتكثر بعد الخامسة والسبعين.
(2) الحواس: تنقص كفاءة الحواس جميعًا: السمع والبصر واللمس والشم والتذوق، وقد لوحظ بعد سن الخمسين
تراجع بطيء في القدرة على إدراك الموجات الصوتية ذات الترددات العالية، وهذا قد يخل بحدة السمع وقدرة تمييز
الأصوات المتداخلة، والتعرف على الأشخاص من أصواتهم، وقد يقل التأثر لاحقًا بالموجات ذات التردد المنخفض كذلك،
فيضعف جهاز السمع، وتقل سرعة التأقلم عند الانتقال إلى الأماكن المظلمة، وتقل الرؤية الليلية، وتقل سعة بؤبؤ العين Pupil
ولذا قد يميل كبار السن إلى الإضاءة القوية، وتضعف مرونة عدسة العين، ولذا يغلب استعمال النظارات كلما تقدم
العمر، وفي دراسة إحصائية لمجموعة تجاوزت سن الخامسة والستين مقارنة، بمجموعة أخرى في العقدين الثالث والرابع
وجد أن نسبة الإصابة بالعمى قد تضاعفت في المجموعة الأولى الأكبر سنٌّا حوالي 17 مرة، وأن نسبة الإصابة بالصمم
قد تضاعفت حوالي 110 مرات، وبعد سن السبعين يقل عدد خلايا التذوق في اللسان، ولذا يضعف التذوق، وتقل المتعة
بالطعام.
(3) الغدد الصماء: تقل استجابة المستقبلات الخلوية للهورمونات، وينقص هورمون النمو Growth hormone
عادة بعد حوالي 21 سنة، وبالمثل ينقص الهورمون منظم النوم Melatonin فتقل فترات النوم، وهو عادة يزيد
إفرازه ليلاً، ويبدأ في النقص مع بزوغ الفجر، ويزيد إفراز الهورمون منظم الكالسيوم Parathyroid hormone
ليحافظ عليه باستجلاب المزيد من العظام، ومنع فقده في الكلية، ويزيد إفراز الهورمون مثبط إدرار الكلية Anti-diuretic hormone
, وفي الإناث يقل إفراز هورمون الأنوثة Estrogen من المبيض عند انقطاع الحيض، ويحاول الجسم الحفاظ على
التوازن بزيادة إفراز الهورمونات المحرضة للمبيض من الغدة النخامية في الدماغ، وربما تصل مستويات تلك
المحرضات عند سن الستين حوالي أربعة أمثالها عند سن الخصوبة، ويزداد معها الهورمون المحرض للثدي لإفراز اللبن Prolactin.
(4) جهاز المناعة: يتأثر جهاز المناعة Immune system فتقل القدرة على مقاومة الأمراض، وقد ينجو ابن
العشرين سنة من التهاب رئوي Pneumonia بينما قد لا ينجو ابن الستين، وتزداد نسبة الإصابة بالعدوى والسرطان،
ومن عوارض اضطراب جهاز المناعة مهاجمة أنسجة الجسم، حيث يعتبرها غريبة لعدم قدرته على تمييزها، فتنشأ
مجموعة أمراض فقد التمييز المناعي للذات Auto، immune diseases فيهاجم مثلاً خلايا البنكرياس المنتجة
للأنسولين المتعلق بتنظيم العمليات المختصة بالسكر مما ينتج عنه مرض البول السكري Diabetes Mellitus
(5) الجهاز الدوري: يزداد معدل الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وهي السبب الأهم للوفيات بعد الخامسة
والستين، ومن التغيرات تلف واندثار بعض الخلايا العضلية للقلب، وتراكم الدهون والنسيج الليفي، وقد لوحظ في الإنسان
وعدد من الأحياء تراكم حبيبات دهنية بروتينية Lipofuscin في الألياف العضلية للقلب، وكذلك في النسيج العصبي
كلما تقدم العمر، ولذا سميت بصبغ العمر Age pigment, وتبدأ ملاحظتها بصعوبة في الإنسان عند سن العشرين، ثم
يتزايد عددها داخل الليفة العضلية للقلب لدرجة أنها تحتل حوالي 5 ــ 10% منها عند سن الثمانين، وتقل كفاءة القلب
في ضخ الدم عند الهرم، حيث تنقص كمية الدم المدفوعة عند سن التسعين مقارنة بابن العشرين، وتقل سرعة الانقباض
والسبب قلة فاعلية بعض الإنزيمات الخلوية المختصة بإنتاج الطاقة، علمًا بأنه إذا لم يتعرض القلب لضغوط وإجهاد فقد لا
يُدرك أثر تلك التغيرات، وتزداد نسبة الإصابة بمرض تصلب الشرايين Arteriosclerosis حيث تفقد مرونتها وتزداد
قسوتها وسماكة جدرانها ومحتواها من النسيج الضام، ولذا فقد يرتفع ضغط الدم، وغالبًا ما تكون الزيادة في الحد الأعلى
الانقباضي أكثر من الحد الأدنى الانبساطي، وقد تحدث ترسبات على الجدران من نسيج ليفي بالإضافة إلى الكولسترول
والكالسيوم، مما قد يعيق مرور الدم ويؤدي إلى الاختناقات وحدوث الجلطات، وتلف أنسجة حيوية مما قد يقضي على
المصاب.
(6) العظام: يتناقص كالسيوم العظام بالتدريج، وهو المادة التي تكسب العظام صلابتها، ولذا تزداد هشاشتها، ويسهل
تعرضها للكسر بأقل الصدمات، ويبدأ تناقص الكالسيوم عادة قبيل الأربعين، وتتأثر الإناث أكثر من الذكور خاصة بعد
انقطاع الحيض، ويصبح التئام الكسور بطيئًا، وتزداد الشكوى من آلام أسفل الظهر، ويرى البعض أن النقص الزائد
للكالسيوم مقدمة لمرض وهن العظام Osteoporosis, وباستعمال الأشعة السينية وجد أن حوالي 40 ـ 50% من
حالات الشيخوخة مصابون بتغيرات وهن العظام في الأقدام أكثر من الأيدي، وتنقص مادة العظام كذلك، وتقل مرونة
المفاصل نتيجة لإصابة الغضاريف، ويزداد معدل الإصابة بالتهابات المفاصل Arthritis, ونتيجة للتغيرات في نسيج
العظام قد يقل سُمك الفقرات فيقل طول الإنسان، وقد يصاب الجسم بتقوس الظهر Kyphosis نتيجة لإصابة الفقرات
والضعف العام.
(7) العضلات: تزداد نسبة كتلة النسيج الدهني والليفي كلما تقدم العمر، وتقل نسبة كتلة النسيج العضلي خاصة مع قلة
الحركة والتمرين، وتبلغ العضلات أوج قوتها عند 20 ـ 25 سنة، وتستمر إلى سن 35 ـ 40 ثم تبدأ في الضعف
تدريجيٌّا، ويتناقص عدد الوصلات العصبية العضلية، وتصل العضلات عند سن 65 إلى حوالي 75% من قوتها في
العشرينيات، وغالبًا ما يعتزل الرياضيون قبل بلوغ الأربعين.
(8) الجهاز التنفسي: تقل الكفاءة Vital capacity حوالي 40% عند 80 بالنسبة لسن 20، وتقدر الكفاءة
بقياس أكبر زفير بعد أقصى شهيق.