حوار الأم مع ابنتها المراهقة تهدده البدائل الإلكترونية
عندما تنتقل الفتاة من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، فإنها تنتقل إلى عالم جديد ومختلف عليها، وفي هذه المرحلة تكون الفتاه بحاجة لوالدتها أكثر، ولكن كثيرا ما يصيب هذه العلاقة في هذه المرحلة نوع من الفتور وعدم الاهتمام، ما قد يترك تأثيرا نفسيا له آثار سلبية على سلوك الفتاة.
ومن خلال تجربتها كأم لسبع بنات تذهب ربة المنزل غادة الفارسي إلى أنها تتعامل مع بناتها بكل بساطة قائلة "لا أفرض عليهن أمورا قد تسبب الضيق لهن، أو تفتح باب المناقشة التي تنتهي بالخصام والتجاوزات الكلامية، فأنا لا أتبع هذا الأسلوب مع بناتي".
بناتي صديقاتي
بينما تعتبر الممرضة بمستشفى الملك فهد عالية الوهيبي بناتها صديقاتها حين تقول "لا أضع بيني وبينهن أي حاجز، لأنه لابد للأم أن تكون متعاطفة وقريبة، وبالتالي تكون الفتاة كتابا مفتوحا لا تحاول إخفاء شيء عن والدتها".
وتضيف الوهيبي "المراهقات يخسرن كثيراً بابتعادهن عن أمهاتهن، إذ إن القرب من الأم يقدم الدعم النفسي للنمو، ويخفف من مشاعر الكبت والقلق والخوف، ولابد من تحديد جملة مفاهيم خاطئة تعوق الحوار بين الأم وابنتها، من أبرزها التعليقات الجارحة أو الاستهزاء بكلام المراهِقة، وكثرة مقاطعتها، وعدم الاكتراث بها، وإصدار الأحكام المسبقة قبل الانتهاء من الحوار، والاتهام المباشر، واللوم، والتهكّم، واستخدام الألفاظ النابية أثناء الحديث".
ولفتت الوهيبي الانتباه إلى أن معطيات العصر المغرقة بالرقمية أثرت في العلاقة بين الأم وابنتها المشغولة بالكومبيوتر والهواتف، منبهة الأمهات إلى ضرورة أن تشعر الفتاة باستمرار بأن أسرتها هي ملاذها لمواجهة المشكلات التي تحيط بها.
في المقابل تقول ريم القحطاني "لا أتذكر أنني اشتركت مع أمي في حوار من أي نوع كل ما تفعله من أجلي هو ترك المصروف بجانب سريري، هي لا تعلم أني أحتاج للتكلّم معها".
وتضيف أنها اختارت صديقتها بديلاً متاحاً للاستشارة والاستماع، وأنهما تتحدثان معاً عن كل شيء الموضة، والدراسة، وبرامج التلفزيون، وآخر الألبومات الغنائية وعندما تصطدمان بما لا تعرفانه، تلجآن إلى الإنترنت الذي يجيب من دون حرج أو تهرب.
التحلي بالصبر
يقول الاختصاصي النفسي الإكلينيكي بالمستشفي السعودي الألماني بجدة الدكتور محمد محمود إن انتقال الفتاة من مرحلة إلى مرحلة أخرى تصاحبه ثورة عارمة في جسدها ونفسها، ولعل هذا التغيير يكون أهم تغيير في حياتها كلها، وتكون الفتاة الصغيرة خلال هذا الانتقال شديدة الحاجة لأم تقف بجوارها تمدها بالحنان والحب، وتزودها بالمعلومة والفهم الصحيح والحوار الهادئ، وإن لم تجد الفتاة هذا العون، فربما تنزلق لمشاكل نفسية خطيرة تشوه فترة حساسة في حياتها.
وأضاف أن الفتاة في مرحلة البلوغ تتأرجح بين رغبتها في أن تعامل كفتاة كبيرة راشدة، وبين رغبتها وحاجتها في أن يهتم بها من حولها، مما يحدث إرباكا للوالدين، ولكن لا مفر للوالدين من التحلي بالصبر في التعامل مع التغييرات المتلاحقة التي ستمر بابنتهما.
وأشار الدكتور محمود إلى أنه على الأم أن تتحمل مسؤوليتها في العبور بابنتها إلى بر الأمان في هذه المرحلة الحساسة بالحوار الهادئ الذي يصاحبه زرع للثقة في نفس الفتاة، بأن تبين لها الأم أنها أصبحت الآن فتاة ناضجة، لها شخصيتها واحترامها، وأصبح لها حياؤها الذي يزينها ويزيدها جاذبية وجمالا.
وأضاف الدكتور محمود "على كل أم محاولة التقرب من بناتها، وبالأخص في مرحلة المراهقة، وأن تكون مستمعة جيدة لمشاكلهن وأحاديثهن، وألا تقابل أي خطأ بالعنف والتجريح، حتى لا تلجأ الابنة إلى صديقة أخرى، ربما لا تكون على مستوى الثقة.
يقول الاختصاصي النفسي" لا نقول إن صداقة البنات غير مطلوبة، بل نشجعها، فهن يحتجن لصداقة نافعة ومفيدة, ومن هنا يبرز واجب الأم في اختيار رفيقات بناتها، بدلاً من أن يقعن في أيادي رفيقات السوء، مشيرا إلى أن الفتاة تمر بمراحل مختلفة من النضج، منها النمو النفسي والوجداني والتقبل الذاتي، فالإنسان يمر في مراحل نمو، وخاصة أن عملية النمو تزيد بسرعة في مرحلة المراهقة، والفتاة في هذه المرحلة تحتاج إلى عملية تقبل ذاتي، ونوع من نضوج العلاقات الاجتماعية.
مساحة من الحرية
وترى المشرفة التربوية نجاة فيصل أن علاقة الأم بابنتها لابد أن تتسم بتقارب بين الأم وابنتها، وخاصة في فترة المراهقة، لأن الفتاة تكون في حاجة ماسة لوجود شخص بجانبها يرشدها ويساعدها، وأن المطلوب دائماً أن تفتح الأم مجالا للحوار ومجالا للنقاش.
وتستدرك نجاة موضحة "لابد أن تكون هناك مساحة بسيطة من الحرية، تتمتع بها الابنة، فلابد أن لها حرية في مشاعرها، في اختيار صديقاتها، في اختيارها لكيفية قضاء أوقات فراغها وما إلى ذلك".
جريدة الوطن